-
من أجل إنجاح الثورة على الشباب عمل الآتي:
د. عمر بادي
الشعب السوداني شعب عظيم , في عين كل من عرفه حق المعرفة , لأن بواطن حقيقته لا تتجلى لأصحاب الإنطباعات السريعة , فتأثير الصوفية و الأثرة الغيرية و التربية القيمية هم نتاج تشكل الشخصية السودانية على البساطة و التواضع و التسامح و الصبر … الصبر على كل شدائد الحياة , فترى السوداني منا ( ممكونا ) و حاملا على كاهله ما تئن من حمله العيس , و لكنه رغم ذلك صابر ! هذا الصبر الأيوبي قد فهمه الإنقاذيون أنه ضعف و خور قد نجحوا في غرسه بآلتهم القمعية في الشعب السوداني طيلة أعوام ربع القرن الماضي . لذلك فقد كانوا متيقنين من أن الشعب سوف يتفهم أسباب زيادتهم لأسعار الوقود و لن تكون هنالك سوى إحتجاجات خجولة مصحوبة بحرق بضع إطارات للسيارات , ثم يعود الهدؤ !
الشعب كان عليه أن يثور ضد هذه الطغمة الحاكمة منذ بداية عهدهم المظلم , و لكنهم عند إستيلائهم على السلطة , و بمساعدة عرابهم الكبير آنذاك , شرعوا في دراسة كل إحتمالات التخطيط الإستراتيجي عن قيام الإنقلابات و الثورات حتى يختاروا تجنبها و يقفلوا كل المنافذ التي قد تدخل منها , و هكذا كانت قراراتهم الصارمة في الإحالات للصالح العام , و في التضييق على من يتوجسون منهم خيفة حتى يغادروا البلاد , و في إفراغ الجيش من العناصر الوطنية غير الموالية لهم و إضعافه بإيجاد مليشيات بديلة عنه , و في تعزيز قوة الأمن و إطلاق يده لإعتقال و تعذيب و تشريد المعارضين , و في حل النقابات و الإتحادات الوطنية و إبدالها بأخريات موالية , و في إضعاف أحزاب المعارضة و زرع الإنقسامات فيها , و في إذلال الشعب عن طريق إفقاره حتى ينشغل بقوت يومه , و في إصدار قوانين مقيدة للحريات المتعددة و مذلة للمرأة و كرامتها , و في زرع الفتن و إطلاق الشائعات من أجل الإغتيالات المعنوية و من ذلك عدم وجود البديل لحكمهم , و أيضا في خداع المواطنين البسطاء أنهم أصحاب رسالة و هذا ما يبدو ظاهريا و لكنهم في حقيقتهم قد أضاعوا الرسالة و الوطن بفسادهم ! هذا بإختصار , لأن أعمالهم معروفة كأعمال فوراوي ( ما دايرة ليها يافطة ) كما قال المسطول في النكتة المعروفة ! كل الذي ذكرته في إيجاز قد ساعد كثيرا في إطالة عمر الإنقاذيين , حتى بدا الحادبون على مصلحة الوطن يشكون في أمر الشعب , هل هو نفسه ذاك الذي فجر ثورتين قبلا ؟ و قد كنت قد كتبت الكثير من أجل إستنهاض الشعب نثرا و شعرا , و خفت أن تكون تراكمات الإحباطات الكثيرة التي ألمت بأفراده قد جعلته لامباليا لما يحدث حوله و مغيبا عنه , و لكن زيادة أسعار المحروقات الأخيرة كانت هي القشة التي قصمت ظهر بعير صبره و كل أسقامه , و هنا تنطبق مقولة : إحذروا غضبة الحليم !
إن ثورة الغضب تكون دائما عواقبها وخيمة على النظام عندما تشكل في مجملها إنعتاقا من الخوف و من المجابهة . في كل الإحتجاجات و الثورات في العالم و منها ثورات الربيع العربي قد تعرضت الممتلكات العامة و الخاصة للتخريب و الحرق , خاصة عند الإنطلاقة الأولى للثورة و ذلك لفوران الغضب المتراكم و لفردية التصرفات التي لا تضبطها قيادة منظمة , لذلك كان التعويل على تنظيمات الشباب أن تنتظم من أجل قيادة الثورة . الشباب , كما ذكرت كثيرا في مقالاتي السابقة , هم كتيبة الصدام الأولى و ذلك لتميزهم بفورة الحماس نتيجة للتفاعلات الكيماوية في دواخلهم و لتميزهم بسرعة الحركة بفعل الفتوة الجسمية التي تساعدهم على المناورة و تحمل المشاق , و ايضا لمعاناتهم المستفحلة من البطالة و من قتامة المستقبل و من العجز عن تحقيق أدنى رغباتهم , فتلقفهم الإحباط , و لذلك فهم الأجدر بالتغيير . لذلك على الشباب الثوار عمل الآتي على وجه السرعة :
1 – التنسيق بين منظمات الشباب و شباب أحزاب المعارضة لتكوين لجان تنسيق العمل الثوري في الأحياء , كما حدث في ثورات الربيع العربي . 2 – تكوين جسم قيادي للثورة من ممثلين من منظمات الشباب في ( قرفنا ) و ( كفاية ) و ( شباب من أجل الغد ) و ( أحرار السودان ) و ( التغيير الآن ) و ( أبينا ) و ( نفير ) , و من ممثلين لشباب أحزاب المعارضة , مع وجود قيادات بديلة في حالة الإعتقالات . 3 – إيجاد طرق مختلفة للتواصل عند إنعدام وجود الإنترنت , و أرى أنه لا داع لشرح تلك الطرق و الشباب أدرى بها . 4 – الإهتمام بالجانب الإعلامي من تصوير للأحداث و كيفية إيصالها لمراكز البث . 5 – إيجاد قنوات يتم بموجبها تلقي التبرعات لدعم الثورة و الثوار , فالمسيرات تحتاج إلى لافتات للشعارات و لألوان و لكميات من علم السودان و لوجبات و مشروبات خفيفة و لوسائل للترحيل . 6 – الإستفادة من خبرة منظمة ( نفير ) و من كفاءتها العالية في إدارة أزمة الفيضانات من أجل إدارة الثورة . 7 – العمل لحشد متظاهري الأحياء في أماكن مركزية فسيحة كميدان جامع الخليفة في أم درمان , و ميدان ( أبو جنزير ) في الخرطوم , و ميدان الختمية في الخرطوم بحري .
إن الغضب يتملكني و من المؤكد يتملك كل وطني شريف , و كل حر ذي ضمير في كل العالم … من صور الشباب اليفع القتلى برصاص رجال الأمن في شوارع الخرطوم , بينما دماؤهم سائلة منهم تروي الثرى … لا حول و لا قوة إلا بالله , و إنا لله و إنا إليه راجعون . القتلى الآن يقاربون المائة و أعدادهم في تزايد , فلنترحم عليهم و هم شهداء أحياء عند ربهم يرزقون , و للحرية الحمراء باب , بكل يد مضرجة يدق , فلا نامت أعين الجبناء , و لا بد من القصاص !
أخيرا أكرر و أقول : إن الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم و هو التعايش السلمي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك افريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأنبل القيم , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني . إن العودة إلى المكون السوداني القديم تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى المستحدثة و في الوجوه الكالحة التي ملها الناس !