مفاهيم الحزب السياسي
الديمقراطية الليبرالية، وكيف أنها أصبحت من أفضل أنواع الحكم في عالم اليوم، لما لها من قدرة فعالة في إتاحة الفرص المتساوية لجميع أهل البلد الواحد للمشاركة الحقيقية في إدارة شئون دولتهم. العملية الديمقراطية هذه تتطلب وجود أحزاب سياسية وطنية، التي من مهامها الأساسية أن تفسح المجال لجمهور المواطنين ليعبروا من خلالها عن آراءهم وطموحاتهم بشكل مثالي وفعال وبمطلق حرياتهم عن كيفية إدارة الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية في وطنهم. في هذا المقال سنتحدث عن الأحزاب السياسية السودانية، ما لها وما عليها. سيما في المرحلة القادمة التي نتطلع فيها أن تمارس أحزابنا الوطنية، الديمقراطية بمنهجية سليمة لنتقي شر الإنقلابات العسكرية، ومن ثمّ حتى ننعم بالاستقرار السياسي المستدام.
مفاهيم الحزب السياسي:
كأي مفهوم من مفاهيم العلوم الاجتماعية، تتعدد التعريفات المختلفة للأحزاب السياسية، على أنه ومن واقع النظر لهذه التعريفات، يمكن الإشارة إلى أن الحزب السياسي هو اتحاد بين مجموعة من الأفراد، بغرض العمل معاً لتحقيق مصلحة عامة معينة وفقاً لمبادئ خاصة متفق عليها. ففي إحدى المرجعيات تم تعريف الحزب السياسي من قبل بعض علماء السياسة بأنه؛ “جماعة منظمة رسمياً وظيفتهم تثقيف الجمهور لبناء الوعي السياسي، فضلاً عن تسمية مرشحين وتشجيعهم لتولي المناصب العامة، والتي تشمل وظائف الربط بين الجمهور ومتخذي القرارات الحكومية” فيه تحديداً تنوب عن العقد الأجتماعى المبرم بين الدولة والمواطنين. بمعنى آخر، الحزب السياسي هو تنظيم سياسي يسعى إلى بلوغ السلطة السياسية في الدولة بوسائل التداول السلمي، وذلك من خلال المشاركة في الحملات الانتخابية العامة، إذ يقوم الحزب بتسمية مرشحيها لخوض الانتخابات مع تبني فكر سياسي قد يختلف جزئياً أو كلياً عن أفكار منافسيه.
إذاً فالحزب السياسي، هو مجموعة من الناس يشتركون في رؤية سياسية موحدة وكذا حول الطريقة التي ينبغي أن يحكم بها البلاد. وهم في ذلك يعملون على استحداث قوانين جديدة أو تعديل القوانين القائمة لتتواكب مع سياساتهم. لهذا تنشط كل الأحزاب المتنافسة في الدولة الواحدة لتنال ثقة الناخب والفوز بعدد المقاعد التي تؤهلها أن تصل للسلطة السياسية لتنفيذ برامجها. لهذا تعد الأحزاب السياسية على أنها إحدى أدوات التنمية السياسية في العصر الحديث، فالأحزاب السياسية والنظام الحزبي تعبران عن درجة تطور الوعي السياسي في النظام السياسي لأي بلد كان.
تعتبر حرية تكوين الحزب السياسي وإعلان عضويتها وبالتالي مشاركة المرشحين في الحملات الانتخابية، مقياس حقيقي لإلتزام الدولة على الديمقراطية الليبرالية كقيمة سياسية للتداول السلمي للسلطة السياسية. وعندما تتعرض الأحزاب التي خارج السلطة لقمع الحكومات القائمة، لأن أفكارها وبرامجها تتعارض مع الحزب الذي في السلطة، فهذا معيار لوصف قادة مثل هذه الحكومات بالمستبدين. وهي حالات تتكرر في دول العالم الثالث وبالأخص الوضع الراهن في السودان، إذ ينطبق على رأس النظام، قول الشيخ محمد الغزالى؛ “المستبد يؤمن بنفسه قبل أن يؤمن بالله ويؤمن بملكه قبل أن يؤمن بمصلحة الأمة … وكل الطغاة يكذبون وهم يستحلون الدماء”.
من سياق المفاهيم الواردة للحزب السياسي، جليٌ أن من مهامه الأساسية السعي للوصول إلى السلطة السياسية. والجلوس على كراسي الحكم يعني إدارة شئون الدولة. وبما أن إدارة شئون الدولة تتطلب تبني فلسفة اقتصادية محددة أو مزيج عدد منها، لذا نجد دائماً أن الأحزاب الليبرالية تتبنى إحدى النظريات الاقتصادية لتتكمن من تحقيق العدالة الاجتماعية – على الأقل نظرياً – عندما تأتي إلى السلطة، إي تحقيق توزيع عادل لثروة البلاد، وهذا يتطلب تبني إحدى النظريات الاقتصادية مثل الرأسمالية، الماركسية، الإشتراكية، الاقتصاد الجزئي، الاقتصاد الكلي، الاقتصاد الإسلامي … إلخ.
السؤال الموضوعي هو، هل تنطبق هذه المفاهيم النبيلة في أحزابنا السودانية؟ إذا كانت الإجابة بالنفي، سيكون سؤالنا التالي، هل ثّمة أمل في إعادة تكوينها بحيث تعتنق المفاهيم الديمقراطية النبيلة؟ ثم، ما هي الوسائل والآليات التي تمكنا من عمل ذلك؟