صراع الثقافات المتعددة : ممدوح محمد يعقوب ازرق
نشرت بواسطة admin on 2012/9/13 (1 عدد القراءات)
علي الرغم من أن ما وصل له إنسان القرن العشرون والحادي والعشرون بعقله ووعيه إلي ضرورة احترام ثقافة الآخر واحترام إنسانية الإنسان بعد الصراع الطويل ما بين العقلية التقدمية والعقلية الرجعية وكانت النتيجة هي الانتصار الكبير الذي حققه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في ميثاقه على ضرورة المساواة بين كافة البشر وحل مسألة التمييز النوعي والعرقي ، وضمان حق المواطنة التي أساسها الحقوق والواجبات مما أتاحت الفرصة للمنظومات والحركات الفكرية السعي إلي حل مسألة صراع الثقافات المتعددة التي لم تستطيع العيش معاً سواء أن كانت على المستوي الثقافي أو الاجتماعي أو الديني ، وغيرها من الخصائص التي تميز كل منهما عن الأخرى ، والأنماط الثقافية والخصوصية الثقافية التي يجب احترامها في ظل التعدد والتنوع . وعلي الرغم من المحاولة الجادة في حل ذلك الصراع إلا أن لا يزال الصراع يهدد حياة ملايين البشر بعد ظهور التيارات المتطرفة التي تنطلق من المفاهيم الدينية أو الأيديولوجية ، ومن ثم الناحية الثقافية أو العرقية وكلاهما تقودان إلي عملية الصراع ويصل الصراع إلي مرحلة الاقتتال والاحتراب وإبادة الأفراد والجماعات بدلاً من الحوار والتعايش السلمي هذا ما لفت انتباه بعض من الكتاب والمفكرين والباحثين من بينهم المفكر العالمي صمويل هنتغتون لافتاً الانتباه للرأي العام العالمي بإصدار كتابه صراع الحضارات وأثاره هذا الكتاب جدلاً في وسط المفكرين وأصحاب الرأي مما لا يوافقه ويؤيده الكثيرون دون وعياً وإدراكاً منهم وذهب بعضهم إلي نفي تلك الصراعات علي الرغم من تواجدها . إن الاعتراف بالصراع لا يقود إلي عملية الصراع بل العكس يقود إلي مركز تشخيص تلك الأزمة التي تهدد حياة البشر ومن ثم وضع الحلول لها. وما ظهور الإرهاب وحركات الجهاد الإسلامي والقاعدة إلا نتيجة للجدل القائم بين الثقافات بمفهومها الكلي في محاولة ثقافة ما إثبات رسالتها بأنها عالمية في سعيها لفرض اللغة والدين والمحمول والموروث الثقافي لأنها هي الأفضل في مفهوم حامليها وما سواها دون ذلك وهو صراع قائم لم ينتهي بعد ، هذا ما أدى إلي شعور بعض القوميات بأن صراع ما تهدد هويتها ومحو ثقافتها وعدم احترامها لذلك ظهرت فكرة العودة إلي الجذور والاهتمام بالثقافات واللغات الأفريقية من قبل بعض الطلاب الذين درسوا في الجامعات الأوروبية أمثال إيمي سيزار ورفاقه من بينهم ليوبلود سيدور سنغور حينما وجدوا النظرة الدونية من قبل الأوربيين للإنسان الأفريقي ومن ثم لغته وثقافته محاولاً إيمي إنكار ورفض لتك الأفكار والتصورات فيما ذهبوا إليه الأوربيين عبر العودة إلي الجذور ولذلك قال سيزار ( نعرف عن أنفسنا عبر العودة إلي جذورنا واكتساف ذاتنا ) رافضاً النظرة المختلة بالرجوع إلي التاريخ والحضارات الأفريقية القديمة التي سبقت حضارات شعوب العالم في الإنسانية مستدلاً أن الثقافات الأفريقية مثلها مثل جميع ثقافات شعوب العالم ويجب احترامها ، ما وقع فيه الأوربيين من أخطاء شنيعة في حق الإنسان الأفريقي بفرض ثقافتهم ولغتهم ودينهم لم يكتفوا بذلك بل وصلت الوحشية إلي درجة استعمار القارة الأفريقية واستعباد شعوب القارة السمراء وممارسة تجارة الرق وغيرها من الممارسات اللإنسانية وهي نفس الأخطاء الذي وقع فيه العرب حينما فرضوا اللغة العربية والدين الإسلامي على غيرهم من الشعوب بحجة أنها رسالة عالمية ولغة القرآن ولغة أهل الجنة الغاية منها ليست عالمية الرسالة كما يقولون بل فرض ثقافة أو أيديولوجية سواء كانت دينية أو فكرية فما هي إلا محاولة لطمس هوية الشعوب الأخرى عبر استخدام المقدس الديني لإثبات عالمية الرسالة واللغة والدين لإعادة إنتاج الثقافات في بوتقة الثقافة الإسلاموعروبية ، لم يخلو تجربة الاتحاد السوفيتي الفاشلة في محاولة إعادة إنتاج الثقافات في بوتقة اللغة والثقافة الروسية علي دول الاتحاد السوفيتي التي لم تتحدث اللغة الروسية ونتيجة للقهر الثقافي الآن كثير من دول الاتحاد السوفيتي سابقاً تتحدث اللغة الروسية علي سبيل المثال دولة أوكرانيا ، أما السودان يعاني من الصراع بين الثقافات في محاولة جدلية لفرض لغة التعامل في دواوين الحكومة وتدريس اللغة العربية في المؤسسات التعليمية دون مراعاة التعدد الديني واللغوي والثقافي وهي نقطة محورية ونقطة تساءل في هيمنة اللغة العربية والدين الإسلامي على مؤسسات الدولة وجعلوا التحدث باللغة العربية مقياس للإنسان المثقف الذي يتحدث العربية والنظرة الدونية للإنسان الذي يتحدث لغته والتقليل من قيمة اللغات الأخرى وهي الأفريقية بأنها لغات محلية ، نتساءل كيف انتشرت اللغات الذي يقال أنها عالمية وما هو أسباب انتشارها من المعروف في زمن الفتوحات الإسلامية كانوا المسلمون يقهرون الشعوب الذين وقعوا تحت الفتح الإسلامي بتعلم اللغة العربية والدخول في الدين الإسلامي بالإكراه مما أدى إلي انتشار الدين الإسلامي واللغة العربية ، أما الانجليز والفرنسيين فرضوا لغتهم وثقافتهم عبر بوابة الاستعمار وقهروا الشعوب منها الأفريقية للتحدث بلغتهم وتدريسها في مؤسسة التعليم النظام الذي شيده المستعمر لذلك صارت عالمية ليست علمية كما يروج له أصحابه لأن الصين واليابان والهند من الدول الصناعية إذن لماذا لم تكن اللغة اليابانية أو الهندية لغات العلم والزعم بأن اللغة الانجليزية لوحدها أو الفرنسية هي لغات العلم وهذا ما يشير إلي أن هناك صراع بين الثقافات وليس ببعيد حينما زعم ديكارت بأن اللغة الفرنسية هي لغة العلم وأتى بمبررات لإثبات مدى صحة حديثه ولا يزال الصراع قائم بين الثقافات ، أين موقع الثقافات الأفريقية من تلك الصراعات التي تهدد بقائها واستمراريتها وهم يتحدثون الانجليزية والعربية والفرنسية تاركون لغاتهم دون تطويرها وتأسيس مراكز ثقافية للحفاظ على الثقافات واللغات الإفريقية ، في الوقت الذي يتحدث فيه الشعوب الأفريقية اللغة العربية والانجليزية والفرنسية لا يحاول أصحاب تلكم اللغات تعلم اللغات الإفريقية لدونيتها والتقليل من شأنها والسعي الجاد لتأسيس المراكز الثقافية في البلدان الأفريقية لتطويع الشعوب الأفريقية وانقيادهم نحو اللغة والثقافة وهو ما يدعى الاستعمار الثقافي واللغوي الذي يحاول أصحاب اللغات التي ظهرت الاكتشافات بلغتهم ونزل الأديان بلغتهم لجعلها سبباً لفرضها علي الآخرين وإخضاعهم للتحدث بها ومحاولة الآخرين دون وعياً وإدراكاً منهم الانجراف خلفها وأحيانا باسم القومية والوحدة الوطنية يسعى أصحاب الثقافة المسيطرة على الدولة بفرضها على المجموعات العرقية والثقافية التي تختلف عنها عرقياً وثقافياً ودينياً لتوحيدهم في إطار ثقافة ولغة واحدة تجمع بينهم أو من خلال المناهج الدراسية لتمرير ثقافة الفئة الحاكمة وتدريسها على القوميات الأخرى لذلك ظهر مفهوم الأقليات الثقافية والدينية والعرقية للإشارة إلي المجموعات المضطهدة ثقافياً ودينياً وعرقياً من قبل الأغلبية أو الأقلية الحاكمة التي تسيطر على مؤسسات الدولة وتعكس عبرها ثقافتها ولغتها ودينها مما يقود إلي ظاهرة الصراع الثقافي بتنافر الثقافات مع بعضها البعض بدلاً من الانسجام وللحد من هذا المأزق يحتاج لمزيد من الدراسات العلمية والأبحاث الابستمولوجية كما يتطلب أيضاً من المنظمات العاملة في حقوق الإنسان والمهتمين بالشأن الثقافي العمل لوقف الهيمنة الثقافية والقهر الثقافي والاستعمار والاستلاب الثقافي من أجل وقف سيادة مجموعة ثقافية أو عرقية أو دينية على الأخرى من أجل بقاء جميع الثقافات وحفظها من الاندثار