المصير الأخير للرئيس البشير
جلست ذات مساء لمتابعة أخبار محاكمة رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور المتهم بتقديم المساعدات لإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دولة سيراليون المجاورة وذلك بتقديمه العون لمقاتلي الجبهة الثورية المتحدة RUF التي كان يقودها عيسى سيساي الذي تمت إدانته محكمة خاصة في مدينة فريتاون في 16 من 18 تهمة، وقد شملت الإدانات عدد من قادة الجبهة الثورية المتحدة من أمثال أوغاستين غيباو وموريس كولان.[1] أما تشارلز تايلور فقد أصدر ضده القضاة في محكمة خاصة بجرائم بمدينة لاهاي الهولندية حكماً بالسجن 50، فيما كان الادعاء يطالب بالسجن 80 عاما!.
خلال بحثي عن أخبار محاكمة تايور تطايرت في ذهني عدة صور. في ذلك الوقت لم أتذكر الرئيس المصري حسني مبارك الذي حكم عليه القضاء بالسجن المؤبد جزءً عن قتلى ميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير؛ ولكن جاء في بالي رئيس جمهورية السودان؛ المشير عمر البشير الذي تطلب المحكمة الجنائية الدولية بالقبض عليه، وكان السؤال المحوري هو: “كيف سيخرج البشير من السلطة؟”. في البداية فكرت بأن الرئيس سوف يقوم بالإسترحاء بمزرعته الوريفة في السليت كما كان يفعل بوش في مزرعته بولاية تكساس الأمريكية.
وربما سيمارس المشير الرياضة مثل الرئيس الكوبي فيديل كاسترو الذي أشتهر ببراعته في لعبة البيسبول.
الكثيرون يعلمون بأن البشير يحب كرة القدم مثل الرؤساء هوغو تشافيز وإيفو موراليس ودي لولا الذي كانوا ينظمون مباريات بين وبعد إجتماعاتهم الرئاسية.
ولربما سيتجه البشير الرئيس لعزف الموسيقي، وهو بذلك سينافس الرئيس الأمريكي بيل كيلنتون المعروف بإجادته للعزف على آلة الساكسيفون.
وقد تظهر للرئيس ميول أدبية فيقوم بالإتجاه لإمتهان الكتابة مثل العديد من الرؤساء الذين برعوا في هذا المجال؛ فالرئيس التشيكي هاتسلاف هافيل كان كاتباً مسرحياً شهيراً قبل تقلده للرئاسة.
وقد يقوم البشير بالتدريس في أكاديمية نميري العسكرية (على سبيل المثال) أو وذلك لحصوله على نال ماجستير العلوم العسكرية بكلية القادة والأركان عام 1981م، ونال أيضاً ماجستير العلوم العسكرية بماليزيا 1983م وهو ما يجعله مؤهل (نظرياً) للتدريس في هذا المجال، خاصة مع إكتساب الرئيس السوداني لخبرة ميدانية طويلة في الحرب لمدة 23 عاماً في عدة جبهات مثل دارفور والنيل الأزرق وشرق السودان وجنوب كردفان، وفي حربه المفتوحة دولة جنوب السودان. وهذا الشئ قد يكون وسيلة جيدة للإستفادة من المواهب المدفونة للسيد الرئيس وهو يتيح للعالم رؤية الجانب المشرق من هذه الشخصية التي قلما يجود الزمان بمثلها.
شرعت في ترجيح إحتمالات الأماكن والمهن التي قد يقضي فيها البشير أوقاته عقب فترته الرئاسية التي ستنتهي عام 2015، وكلنا يذكر حديث الرئيس بأنه لن يترشح لفترة رئاسية جديدة. ولكن فجأة قفز في ذهني فكرة بأن الرئيس البشير قد يترك السلطة، أو يتم إجباره لمغادرة السلطة قبل إنتهاء فترته الرئاسية، أو بأن الأمور لكن تكون بذلك الهدوء الذي تخيلته. مثلاً؛ فقد تقرر الولايات المتحدة إختطاف البشير مثلما فعلت مع رئيس بنما مانويل نورييغا الذي أنقضت عليه القوات الأمريكية عام 1989م طارت به إلى مدينة ميامي الساحلية وحاكمته هناك بتهمة الإتجار في المخدرات وغسيل الأموال. وبعد إنتهاء محكوميته عام 2010م قامت بإرساله لفرنسا لتنفذ فيه الحكم الذي صدر ضده غيابياً عام 1999م!
ولربما تقوم إسرائيل بإختطاف البشير كما فعلت مع عبد الله أوجالان زعيم حزب العمال الكردستاني. العديد من المصادر تذكر بأن رئيس الوزراء التركي بولاند أجاويد طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي في تلك الأثناء بنيامين نتانياهو و رئيس جهاز الموساد افرايم هاليفي المساعدة في القبض على أوجلان، وهو الشئ الذي حصل في النهاية عام 1999م.[2]
هل يا تُرى ستتم إزاحة البشير بالطريقة الأفريقية الخشنة؟ أي هجوم عسكري داخلي سريع تتسلم فيه مجموعات عسكرية السلطة لتقوم بتصفية الحكومة السابقة وكل من ينتمي إليها؟ لقد فعلها من قبل منغستو هيلامريام الذي أرسل ضباط من الجيش الإثيوبي فقاموا بقراءة بيان الإنقلاب علي الإمبراطور في قصره، ليموت بعدها الإمبراطور هيلاسيلاسي بطريقة تراجيدية وليدفن تحت مقعد التواليت الموجود في قصره. وقام بعدها منغستو بإعدام ستين من رموز حكم الإمبراطور رمياً بالرصاص![3]
في العام 1980م (الصُولّ) صامويل دوو بالإستيلاء على السلطة بإنقلاب عسكري في ليبيريا فقام بقتل الرئيس وليام ويلبيرت جونيور أثناء نومه، وبعد ذلك قام بالتصفية الجسدية لكل أعضاء حكومةويلبيرت. تحكم دوو بمقاليد السلطة وأستطاع أن يكون رجل أمريكا في منطقة غرب أفريقيا.
وكان محتفظاً بكامل سلطانه إلى أن دارت عليه الدوائر لتقوم مجموعة بقيادة برينس وايجونسون بإنقلاب عسكري عليه عام 1990م، وعندما ألقوا القبض عليه في مدينة منروفيا قاموا بمحاكمته محاكمة صورية وتعذيبه، ومن ثُمّ قتله الرجل![4]
ولكن مهلاً! كل يجب أن تكون كل الإحتمالات سوداوية هكذا؟ أقول: “نعم!”؛ فتصريحات الرئيس طوال السنوات لا تجعل خيار تنازل الرئيس الطوعي عن السلطة خياراً مرجحاً. فالتصريحات المستفزة مثل “الزرعنا غير الله اليجي يقلعنا” … و”المجتمع الدولى تحت جزمتي” وغيرها من تصريحات قادة الحكومة جعلت من الصعب العودة لمرحلة الإحتفاء بالرئيس. فشعب السودان قد يجد من الصعوبة تكريم البشير مثلما فعلت جنوب أفريقيا مع نيلسون مانديلا، فالبشير فقد الكثير من التعاطف الشعبي، وأنا هنا لا أعني الغضب الشعبي من البشير الذي رفض دعم السلع الغذائية وذلك لأنه يعتقد بأن الأغنياء هم من يستفيدون من الدعم، ولا أقصد كذلك تهليل أعضاء حزب البشير في المجلس الوطني (البرلمان) لقرار زيادة الأسعار والذي يمثل إستفزاز للكادحين والفقراء. أنا أعني بأن الموقف الحالي على الأرض لا يسمح بتكريم البشير بأي صورة من الصور، فالرجل شن حروباً مفتوحة الإحتمالات وبلا أي قيود أخلاقية أو قانونية ضد مواطنيه في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، وقد أستخدم كل الأسلحة المشروعة وغير مشروعة، وتسبب الجنرال في إشعال الإقليم عبر حرب نظام الإنقاذ ضد دولة جنوب السودان.
قام الثوار الليبيين بإغتصاب معمر القذافي عبر إدخال عصا في مؤخرته العقيد ثم قتله بلا رحمة وعرضوا جثته في ثلاجة مخصصة للمواشي لعدة أيام من أجل التشفي لمقتل 10 ألف ليبي قضوا نحبهم خلال العمليات المسلحة التي دارت بين القذافي ومعارضيه. أما قضاة المحكمة الخاصة لجرائم الحرب فقاموا بإصدار حكم السجن لمدة 50 عاماً على تشارلز تايلور لإتهامه بـ(المساعدة) في قتل 50 ألف سيراليوني. ولكنني لا أدري ماذا سيفعل السودانيون في البشير وقد قتل مئات الآف من أبناءهم، نصف مليون منهم في دارفور فقط. وإذا قُدر للبشير أن يحاكم مثل حسني مبارك أو صدام حسين أو بيونشيه فلا أدري بكم عاماً ستقوم المحكمة بتوقيع العقوبة عليه.
ولعل البشير سيغادر السلطة بنفس الطريقة التي أُزيح بها الترابي في مفاصلة رمضان الشهيرة: إنقلاب أبيض بمثابة طعنةٌ نجلاء من أقرب الأقربين. وأسوء ما في الأمر للبشير بأن من سيفعلون ذلك لن يقوموا بإزاحته فقط، بل قد يلجأون لنفس أساليب رئيس وزراء زمبابوي روبرت موغابي الذي عندما أراد القفز على السلطة قام بسحب صلاحيات منصب رئيس الجمهورية لصالح منصب رئيس الوزراء، وبعد ذلك قاد حملة شرسة لتلطيخ سمعة رئيس الجمهورية السابق كنعاني سيدونو بنانا؛ صانع إستقلال زمبابوي. إجتهد موغابي في تلفيق تهمة أخلاقية للرئيس السابق بنانا الذي ظل ينفي التهمة حتى آخر يوم في حياته.[5] وعندما مات لم تُقام له أي جنازة رسمية، ولم تعطف عليه الحكومة بنعي في التلفزيون الحكومي، ولا حتى في الإذاعة التي يعلن فيها المواطنون فقدان حيواناتهم الضائعة. شرف الرئيس بنانا ضاع لم يجد متسعاً حتى بين الحيوانات التي وجدت حظوة في إذاعة زمبابوي ما لم يجده الرئيس الذي جلب الإستقلال للبلاد. مات بنانا ذليلاً منكسر الفؤاد على البلاد التي قدم لها دمه وعرقه ولم يجد منها إلا الذلة والإهانة وتشويه السمعة.
عندما قامت القوات السوفييتية بمحاصرة برلين شعر هتلر بأن كل شئ قد إنتهى ولم يشأ أن يكون تحت رحمة قوات الحلفاء التي قد تُنكل به إذا وجدته على قيد الحياة، فقام بالإنتحار بإطلاق النار على رأسه. الرئيس عمر البشير صرّح في العام 2007م بأنه يفضل أن يكون قائداً للمقاومة بدلاً أن يكون رئيساً لبلداً محتلاً، وهو ما يدفعنا للإعتقاد بأن البشير سيظل متمسكاً بالسلطة حتى آخر رمق من حياته، والرجل لن يفعل مثل هتلر؛ أي بأنه لن ينتحر، وهو لن يسمح لكائنٍ من كان بأن يسلمه للمحكمة الجنائية الدولية، والفترة التي قضاها في قيادة البلاد طوال ربع قرن ستجعله يرفض الخضوع لأي نوع من محاولة لتبخيس فترته حكمه ناهيك عن محاسبته عن الأخطاء القاتلة التي إقترفها منذ العام 1989م وحتى الآن. البشير سيبقي في السلطة حتى النهاية، فالرجل سيتقمص شخصية شمشون الجبار الذي فضّل القيام بعملية إنتحارية وأن يموت وهو يصرخ: “عليّ وعلى أعدائي!”