هل تكون الأولوية للظلامية؟ أم تكون للتنوير؟
فسيادة التخلف، وانتشار الأمية في مجتمع معين، وتغييب العمل العقلي، واعتماد الفكر الغيبي، والخرافي، وأدلجة الدين، لا يمكن أن تكون فيه الأولوية إلا للظلامية.
أما عندما يكون المجتمع متقدما، ويصير التعليم منتشرا، ويكون العمل العقلي حاضرا، ويتم اعتماد الفكر العلمي، ويتجنب الجميع أدلجة الدين، فإن الأولوية تكون للتنوير.
وقيام الشروط الموضوعية بتحديد الأولوية، التي تصير إما الظلامية، وإما التنوير، فإن أدوارا تتدخل لتحديد الأولوية إما الظلامية، وإما دور ميزان القوى، في الواقع، لتحديد الأولوية. فإذا كان ميزان القوى لصالح الظلاميين، تكون الأولوية للظلامية، التي تعيد الواقع قرونا الى الوراء. أما إذا كان ميزان القوى لصالح التنويريين، فتكون الأولوية لصالح التنوير. ذلك أن العمل على خلق ميزان القوى لصالح الظلاميين، أو لصالح التنويريين، يعتبر ذا أهمية خاصة، وفق خطة معينة منتجة، تضعها هذه الجهة، أو تلك.
دور المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي في تحديد الأولوية. فإذا كان هذا المستوى متخلفا اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، كما هو واقع الحال في بلدان المسلمين، نظرا لطبيعة الأنظمة السائدة فيها، والتي لا يمكن أن تنتج إلا التخلف في مستوياته المختلفة، فإن الأولوية تكون للظلامية، أما إذا كان هذا المستوى متقدما اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، كما هو الحال في العديد من البلدان المتقدمة، فان الأولوية لا يمكن أن تكون إلا للتنوير، سواء كانت هذه البلدان رأسمالية، أو اشتراكية.
دور المدرسة الوطنية في تحديد الأولوية. فإذا كانت المدرسة مهيأة على مستوى البرامج الدراسية، لإعادة إنتاج نفس الواقع المتخلف، وبطرق تربوية متخلفة، وبمرجعية ماضوية، وحداثية ممهورة بالتبعية للمؤسسات المالية الدولية، وللنظام الرأسمالي العالمي، الذي يملي ما يخدم مصالحه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، فإن المدرسة الوطنية، لا يمكن أن تحدد الأولوية إلا لصالح الظلامية. وهذا الواقع الذي تعرفه المدرسة ، هو الذي حولها إلى مفرخة للظلاميين، ومنذ السبعينات من القرن العشرين.
أما إذا كانت هذه المدرسة مهيأة، على مستوى البرامج الدراسية، لإنتاج واقع مختلف، ومتجدد، ومتطور، وبمرجعية عقلانية متطورة، وبطرق تربوية حديثة، ومتجددة، ومتطورة، وبمنهجية تقطع مع الماضي، ومع التبعية للغرب، ومن منطلق كونها مدرسة ديمقراطية متحررة، فإن الأولوية فيها، لا يمكن أن تكون إلا للتنوير، الذي يعتبر دورا طبيعيا للمدرسة الديمقراطية المتحررة.
وفي ختام هذه الأرضية، نجمل القول بأن الظلامية ستبقى مطروحة في الميدان، مادامت لم تنجز نهضة حقيقية: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، ومدنية، وسياسية، ومادامت المسلمات التي ننطلق منها، في تفكيرنا اليومي، ذات بعد غيبي، أو ديني، ومادام الأمل، في المستقبل، رهينا بصياغة الغيب، أو الدين لذلك الأمل، وما دمنا لم نقم بانجاز ثورة تربوية / تعليمية، وإعلامية، وثقافية، تحيل الانطلاق من الغيب، ومن الدين، إلى التاريخ، وتجعل الواقع المادي هو المنطلق الواقعي، والعلمي، لما ننتجه من أفكار لا تكون إلا علمية، ولا يكون فعلها في الواقع إلا تنويريا، لجعل المجتمع يرى حقيقة واقعه، حتى يمتلك وعيه به، من أجل الانخراط في عملية التغيير الشامل لأوضاعه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية إلى الأحسن.