ورقة عن العنصرية
التجاني الحاج عبد الرحمن ـ الجمعة 27 يونيو 2014
مقدمة: تعريفات ومفاهيم
تعرَّف العنصرية بشكل عام من خلال التعريف للانحياز والتمييز المؤسس على التباينات الاجتماعية أو البيولوجية بين الناس. وفي أغلب الأحوال تأخذ هذه الانحيازات شكل سلوك اجتماعي أو معتقدات أو نظام سياسي يعتبر أن التباينات الاجتماعية يمكن وضعها في تراتبيات موروثة في “أعلى” و “دون”، وهو ما يتطلب أن تُعامل هذه الأعراق والكيانات الاجتماعية بصورة مختلفة عن بعضها البعض.
يعتقد بعض الباحثين: أن أي سلوك لفرد يمكن أن يكون متأثراً بتصنيف عرقي موروث بصرف النظر عما أذا كان هذا السلوك مضر أو صالح، وهو نوع من عمليات “التنميط “Stereotyping ، ذلك لأن أي عملية تنميط بالضرورة تؤدي إلى نوع من الدونية لهوية آخرين. ففي علم الاجتماع وعلم النفس بعض التعاريف تضّمن مع ذلك أشكال الكراهية المصحوبة مع عملية التمييز.
هناك وجهة نظر تقول إن العنصرية تُفهم فقط كــ ” انحياز + سلطة”، ذلك لأنه ومن دون الدعم والسند السياسي/الاقتصادي لن يكون للانحياز أو التمييز القائم على أساس العرق أو اللون أو العنصر كظاهرة اجتماعية أي معني أو تأثير كبير على المستوى الثقافي والمؤسسي. ومن ضمن الأسئلة الكثيرة حول تعريف ظاهرة العنصرية: مثلاً هل تضمّن أن التمييز الغير متعمد، مثال وضع نماذج وتصورات عن الآخرين مبنية على الأنماط العرقية أو السلالية، وأيضاً هناك ما يضمن أيضاً أن الأشكال الرمزية أو المؤسسية من التمييز مثال إعادة إنتاج التنميط العرقي من خلال وسائط الأعلام والحراك الاجتماعي ـ السياسي من خلال التراتبيات الاجتماعية من أن يكون لديها مضمون عرقي سالب؟
هنالك فرق ما بين “عرق” Race)) و “مجموعة سلالية” (Ethnicity) من وجهة نظر علم الاجتماع المعاصر خاصة عند التعامل معها كظواهر سوسيولوجية. فالمصطلحين لديهم تاريخ طويل من التساوي في الاستخدام العامي وفي علم الاجتماعي القديم. وبالتالي فإن “العنصرية” والتمييز القائم على أساس العرق دائماً ما كان يستخدم لتوصيف التمييز القائم على أساس ثقافي بصرف النظر عما إذا كان التباينات هي عرقية أما لا. وبناءً على ذلك، وفيما بعد، قامت الأمم المتحدة بوضع حد فاصل في تعريف العنصرية بشكل دقيق ومضت باتجاه التفريق ما بين مصطلحي “تمييز عرقي” Racial Discrimination و “تمييز سلالي” Ethnic Discrimination ــ إن جاز التعبير في هذا المنحى ـــــ بعد أن ثبت أن ادعاء التفوق القائم على الاختلاف العرقي من الناحية العلمية غير صحيح لا وبل مدان من الناحية الأخلاقية، و غير عادل أو منصف من الناحية الاجتماعية. لذلك لا يوجد تبرير للتمييز القائم على العرق من الناحية النظرية أو العملية في أي مكان كان.
في التاريخ، لعبت العنصرية دور مركزياً كقوة محركة لعملية تجارة الرقيق التي تمت عبر الأطلنطي وأيضاً خلف تكون ونشوء الدولة القومية كما في أوروبا وتلك التي تأسست على الفصل العنصري كالولايات المتحدة في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في جنوب أفريقيا. إن الممارسات والأيديولوجيات ذات الصلة بالعنصرية على النطاق الدولي كانت ولا زالت مدانة بواسطة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة. وقد لعبت العنصرية كمفهوم وظاهرة اجتماعية أيضاً دوراً بارزاً في صياغة الأيديولوجيات السياسية التي كانت سبباً في التطهير العرقي كما في الكثير من التجارب الإنسانية أبرزها ما عرف بالهولوكوست في المانيا النازية وحديثاً في رواندا وفي كثير من التجارب التي مازالت مستمرة. وأيضاً وتاريخياً كما حدث في أمريكا الجنوبية والكنغو ومن خلال الاستعمار الأوروبي في أمريكا وأفريقيا وآسيا وأستراليا.
التعريف القانوني للعنصرية:
لا تعرِّف الأمم المتحدة مصطلح عنصرية ” Racism ” على أي حال، وإنما تعرِّف التمييز القائم على العرق “racial discrimination” والذي يعني: ” أي نوع من أنواع التحديد، الاستبعاد، الحظر أو الإرجاع أو الأستناد المؤسس على العرق، اللون، الأصل أو القومية، أو الأصل السلالي بغرض التأثير على الاعتبارية، التمتع والممارسة على قدم المساواة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية في المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية أو أي مجالات أخرى في الحياة العامة “. من الواضح أن هذا التعريف لا يضع فرقاً بين التمييز العرقي والسلالي Racial و Ethnical، ذلك لأن الجدل حول الفرق بين المصطلحين مازال محتدماً داخل أوساط علماء الأنثربولوجيا (علم السلالات). ففي القانون البريطاني لفظة Racial group تعني ” أي مجموعة من الناس يعرَّفوا بالرجوع لأصلهم العرقي أو اللون أو القومية أو أصلهم السلالي”. بينما تجاوزت النرويج ذلك بأن أزالت لفظ عرق race من قانون الوطني باعتبار أن اللفظة أصبحت ذات طابع أشكالي، فالقانون النرويجي لمناهضة التمييز العرقي أعترض على أي تمييز قائم على أساس العرق أو اللون والأصل السلالي.
التعريف السيسيولوجي:
بعض علماء الاجتماع عرَّف العنصرية كــ” منظومة امتيازات”. وفي عرض للعنصرية البيضاء فقد عرف ديفيد وليام العنصرية على أنها: “امتيازات مشرعنة ثقافياً وهي بصرف النظر على الغرض، تتضمن الدفاع عن الامتيازات التي نالها البيض بسبب وضعية الدونية للأقليات الأخرى”. بينما يري كل من نويل كازينيف و دارلين ألفاريز مادرين العنصرية على أنها:” منظومة على درجة عالية من التنظيم لمجموعات قائمة على أساس امتيازات عرقية، والتي تعمل في كل مستويات المجتمع ومتماسكة بأيديولوجية متطورة قائمة على علوية العرق/اللون”. سيللر وشيلتون (2003) وجدوا أن العلاقة بين التمييز المستند على العرق والمعاناة المعنوية قد تم إضعافها عن طريق الأيديولوجية العرقية أو العنصرية. فعلي سبيل المثال تظهر المركزية العنصرية موقفين متناقضين فدائماً ما تشجع درجة التمييز الإيجابي كتلك التي يلاحظها الامريكيين من أصل أفريقي في أي موقع، بينما تقوم الأيديولوجيا العنصرية في ذات الوقت بحماية المحددات والتأثيرات المباشرة للتميز العرقي أو العنصري في بنية المجتمع. بعض علماء الاجتماع يرون أيضاً وبالرجوع للنموذج الأمريكي والنماذج الأخرى، أن نماذج العنصرية في كثير من الأمثلة قد حدثت لها حالة طفرات على مستويات اللغة من التعبيرات الواضحة والفاضحة إلى دلالات سرية أو مخفية بعناية، ومن النماذج المستحدثة والمخفية بعناية والتي يمكن اعتبارها كعملية وبنية اجتماعية مستضمرة تلك التي يصعب توصيفها أو الإستدلال عليها أو إستقصاؤها. وقد لُوحظ في بعض البلدان إن العنصرية الصريحة قد أصبحت بصورة متزايدة كنوع من “التابو” أو المحرمات حتى في تلك البلدان الحرة التي تعترض على ذلك فإن هذه العنصرية المستترة ماتزال متواجدة على صعيد اللاشعور.
أنواع العنصرية:
التمييز العنصري الاجتماعي: وهو تمييز يقوم على التفريق بين الناس من خلال عملية التقسيم الاجتماعي إلى أصناف ليست بالضرورة مرتبطة بالعرق بغرض المعاملة المختلفة. التفريق القائم على العرق هو سياسات قد تقنن التمييز المشار إليه، لكن أيضاً غالباً ما تمارس من دون تقنين. كثير من الباحثين وجدوا طيف واسع من أنواع التمييز في مجالات العمل خاصة ضد اللذين قد تشي أسمائهم بأصلهم الزنجي في أمريكا على سبيل المثال. وهو نوع من التمييز القائم على أساس العرق واللون في مجالات العمل.
التمييز العنصري المؤسسي: ويعرف أيضاً بــــ “التمييز العنصري البنيوي” أو “عنصرية الدولة”، وهو التمييز العنصري الذي تمارسه الحكومات، الهيئات، الأديان أو المؤسسات التعليمية أو المؤسسات الكبرى ذات النفوذ في حياة الأفراد والمجتمعات. وقد أضاف كارمايكل للمصطلح في ستينيات القرن الماضي حمولة إضافية بقوله أنه: “الفشل الجمعي للمؤسسة على توفير الخدمات المناسبة والمحترفة للناس بسبب خلفيتهم العرقية، الثقافية أو الأصل العرقي”. من ناحية أخرى ذكر مالونا كارقينا بأن العنصرية تتضمن ليس فقط المواقف الاجتماعية السالبة فحسب، بل هي تدمر الثقافة/ اللغة الدين والإمكانية الإنسانية للتعايش، وأن تأثيرات العنصرية من الناحية الأخلاقية شراً مستطيراً تدمر الإنسانية وتسمم علاقات الماضي والحاضر والمستقبل ليس فقط مع هؤلاء اللذين يعاملوننا من خلال التنميط، بل مع الجنس البشري ككل”. وبالتالي هي في الواقع تدمير للعلاقات الإنسانية بين البشرية.
التعريف الاقتصادي للعنصرية:
الاقتصادي التاريخي أو التمايز الاجتماعي في واقع الأمر مختلف عليه عند وضعه كتعريف أو إطار لتعريف التمييز العنصري، ذلك بسبب الاختلاف على تأثيره على الأجيال الحاضرة من خلال القصور في النظم التعليمية أو التحضيرات للأجيال الماضية. هناك فرضية وضعت عن طريق بعض الاقتصاديين الكلاسيكيين تقول أن التنافس الرأسمالي قد تسبب في التقليل من كم تأثيرات التمييز العنصري. والتفكير الذي يقف خلف تلك النظرية هو أن التمييز العنصري ينطبق أصلاً على تكلفة العمالة وبالتالي فإن العمالة المربحة غير معرضة لتأثير السياسات العنصرية طالما هي تتسبب في الربح. لذلك فإن الاقتصاد الرأسمالي يتجنب التمييز العرقي لكي يتجنب التكاليف الغير ضرورية للخسارة، لكن يظل المفهوم والسلوك العنصري محتملاً ويمكن عمله بطرق أخرى خارج سياقات التفكير الاقتصادي. من جانب آخر فإن الدراسات الاشتراكية ربطت العنصرية بصورة صميمة بحركة الانتقال والتطور التي ظهرت في المجتمعات خلال مراحلها المختلفة من المشاعية البدائية وحتى مرحلة الرأسمالية، فبالقدر الذي يتطور المجتمع، وأثناء عمليات تقسيم العمل فيه، يبدأ هذا المجتمع في إنتاج قيمه وثقافته وتراتبيته الاجتماعية حتى وإن كانت مستضمرة، والتي تتضمن نوعاً من التمييز القائم على أسس العرق أو اللون وغيرها من أنواع التحيزات والتي ترتد في نهاية المطاف العامل الاقتصادي باعتباره هو الذي يتحكم في أوضاع هذه التراتبيات”.
العنصرية الرمزية المعاصرة:
بعض الباحثين المعاصرين لاحظوا أنه وفي الصراعات العنيفة في تاريخ الولايات المتحدة، أن أشكال السلوك العنصري المتسم بالعنف قد تحور مع مرور الوقت إلى أشكال ناعمة من التمييز في نهايات القرن العشرين. هذه الأشكال الجديدة من التمييز العنصري تم تعريفها بالعنصرية المعاصرة وتميزت بالأعمال الخارجية الغير عادلة. حيث أنها تستعرض السلوكيات المنحازة التي تؤثر على عدالة تكافؤ الفرص بناء على تنميطات ذات طابع عرقي، وأيضاً تقييم بعض السلوكيات للأخرين بشكل مختلف قائم على الأساس العرقي للفرد. هذه النظرة تأسست على الدراسات التي أجريت على سلوكيات الانحياز والتمييز الإيجابي التي يتعامل بها الناس مع السود بشكل في سياقات محددة ومكشوفة أو في العلن، بينما من جانب آخر تتم بشكل سلبي في سياقات أخرى أكثر خصوصية. هذا النوع من السلوكيات ينعكس على الاختيار في فرص العمل وفرص التعليم والمجالات الأخرى وصناعة القرار. وقد أعتبر بعض الباحثين أن العنصرية المعاصرة تتميز بأنها دائماً تقف ضد التنميط والسلوك العنصري في العلن بينما في ذات الوقت ترفض وتقاوم بشدة أي تغيير لـ(بنية) التمييز العنصري نفسه، لأسباب قد تبدو غير عنصرية أو أيديولوجية تعتبر أن الفرص هي خيارات فردية، متغافلة في ذات اللحظة عن المحددات العرقية أو العنصرية المستضمرة في هذه البنية.
نماذج العنصرية في العالم:
إن أبرز النماذج للممارسة والسلوك العنصري التي تمت في العالم، هي تلك التي حدثت في جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية. ففي النموذج الأمريكي فإن السلوك العنصري كان متعدد الاتجاهات والمستويات، فكان بين المهاجرين للعالم الجديد والسكان الأصليين من الهنود الحمر من جانب، وبين المهاجرين أنفسهم والذين ينحدرون من أصول عرقية مختلفة من أوروبا (أنجلو ساكسون، إيطاليين، فرنسيين، أيرلنديين) من جانب ثاني، وبين كل تلك المجموعات والمسترقين من أفريقيا من جانب ثالث. ينطبق تعريف التمييز العنصري الذي يرتد إلى أساس اقتصادي بين المجموعات المهاجرة من أوروبا والثقافي بين المهاجرين والسكان الأصليين بينما التصنيف والتمييز القائم على أساس العرق واللون كان بين الكل تلك المجموعات من جانب والرقيق من أفريقيا من جانب أخر. وقد سادت مجموعة المهاجرين المنحدرين من أصل أنجلو ساكسوني Whit Anglo Saxon (WASP) على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في أمريكا. عموماً فقد خاضت كل تلك المجموعات عمليات نضالات مختلفة ضد التمييز، أبرزها مجموعات الأفارقة الأمريكيين ضد حركات التمييز العنصري من خلال حركة الحقوق المدنية التي قادها مارتن لوثر كنج وتمكنت من أن تضع حداً لسياسات الفصل العنصري في الولايات المتحدة على الأقل على المستوي القانوني والدستوري.
أما تجربة جنوب أفريقيا فتختلف، حيث أن مجموعات أوروبية جاءت واستعمرت جنوب أفريقيا واستوطنت فيها وتمكنت من السيطرة على النظم الاقتصادية ونظم الحكم ومارست ما عُرف بسياسة الفصل العنصري ما بين المهاجرين المستعمرين والسكان الأصليين، قوامها فصل على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية وعرفت بالأبارتيد Apartheid . وقد إختلفت مقاومة الوطنيين من جنوب أفريقيا عن التجربة الأمريكية إذ أن السكان الأصليين لم يكونوا أرقاء مجلوبون إلى أرض جديدة انما سكان أصليين تم اضطهادهم وإسترقاقهم في أرضهم. الفصل العنصري أو العنصرية أو الأباتيد في جنوب أفريقيا فصل ما بين المجموعات المختلفة على أساس اللون والذي ينتهي في نهاية المطاف إلى العرق ما بين البيض ويمثلون المستعمرين الأوروبيين من الهولنديين وغيرهم، الملونين ويمثلون المنحدرين من الأصول الأسيوية (هنود) والأفارقة والذين تم تصنيفهم في أدني سلم التراتبية الاجتماعية.
انتهت تجربة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا على المستوى السياسي والدستوري بإنتهاء نظام الفصل العنصري في تسعينيات القرن الماضي، ولكن بقيت أثاره الاجتماعية إلى الأن. بمعني أن التمييز العنصري لم يعد بالشكل الصريح الفاضح كما كان في الماضي وإنما مستضمراً في سلوكيات ترفضه في العلن وتمارسه في السر أو ترفض تغيير بنيته المادية وعلاقاته القديمة.
العنصرية في السودان:
تجربة التمييز العنصري في السودان مرتبطة تاريخياً بحركة وتجارة الرق إن جاز القول في هذا الصدد. لكن لا يمكن تجاوز العلاقات القديمة لهذه الممارسة المرتبطة بعلاقات الكيانات الاجتماعية القديمة لهذه الكيانات الاجتماعية فيما بينها، وهذه سمة لصيقة بالمجتمعات البدائية أو المجتمعات التي تسود فيها العلاقات السابقة للرأسمالية، والتي بطبيعتها تسود فيها العلاقات العشائرية وصلات الدم. وبطيعة الحال وبحسب التفسيرات التي ترجح ظهور نزعات التمييز العنصري وتردها إلى تطور العلاقات الاقتصادية في هذه المجتمعات وارتباطها الوثيق بعمليات التحديد للتراتبيات الاجتماعية في هذه المجتمعات ــ وهو تفسير قد يجد الكثير من القبول في هذه المجتمعات وشروط تطورها ــــــ فإن العنصرية كانت موجودة حتى وإن تمظهرت في أشكال من التناصر القبلي والعشائري وممارسة التمييز العنصري على هذا الأساس.
الشاهد أنه وفي التاريخ الحديث للسودان بدأت هذه النزاعات العنصرية في الارتباط بالثقافة العربية. ومن الواضح أن ذلك كان سببه الهجرات العربية التي تمت للمنطقة أو لإقليم ما عرف بالسودان وسيطرة الكيانات ذات الأصول العربية على السلطة والاقتصاد. تم ذلك بطرق مختلفة وشبكة معقدة من العلاقات والسلوكيات ظهرت في الآداب والفنون، ومنظومة القيم والثقافة، حيث شهدت الثقافة العربية تطوراً ملحوظاً وبدأت تحل محل الثقافات والقيم للسكان الأصليين والتي انحسرت أو كادت. وقد ظهر ذلك جلياً مع بدايات الاستعمار التركي حيث أصبحت تتصاعد في سلم الترابيات الاجتماعية الكيانات ذات الأصول العربية والتي أصبحت تحتقر الكيانات الأخرى وتسفه منظومات قيمها بدعوى أنها متخلفة أو جاهلية، أستمر ذلك متخذاً أشكالاً وتنميطات مختلفة للشخصيات والتكوينات الاجتماعية المختلفة في السودان والتي تعلي من شأن ذوي الكيانات العربية وتجعل من الآخرين دونية ثقافية واجتماعية واقتصادية، وهو ما أفضى في نهاية المطاف إلى الصراعات والنزاع. ويمكن إيراد الكثير من النماذج في هذا الصدد.
مناهضة العنصرية:
إن المجتمعات المعاصرة اليوم، في علاقاتها أصبحت تنظر للعنصرية أو التمييز القائم على أساس اللون أو العرق على أنه جزء من مخلفات الماضي المعيب للإنسانية وليس هناك من سبيل للتطور لأي مجتمع من غير تجاوز هذه المفاهيم والسلوكيات، فالبشر هو بشر في نهاية المطاف يحملون نفس الصفات والتكوين البيولوجي والوراثي، وأمامهم نفس الفرص نحو التقدم. وبالتالي فإن تميزهم على أساس اللون أو العرق أو الخلفية الثقافية إلى فوقية ودونية (عرقية، ثقافة، دينية أو أفضلية لون)، أو أي نظريات نقاء عرقي أثبتت التجربة الإنسانية القريبة أنها مجرد أوهام لا تمت للعلم أو المعرفة أو الأديان بصلة لا من قريب أو بعيد وإنما هي في نهاية التحليل محض أيديولوجيات مظلمة وظفتها وخلال كافة النماذج أقليات معينة ساهمت شروط تاريخية استثنائية في استحواذها على السلطة واستخدمتها في تركيز أوهام فوقيتها المزعومة، والشاهد أنها وفي كل التجارب دمرت مجتمعاتها.
إن مناهضة العنصرية أو التمييز بين الناس في أي مجتمع كان ــ بما فيه مجتمع السودان ـــ لا تجدي معه تغيير القوانين فحسب ـــ على أهميتها ـــــ وإنما يجب النظر إليه على في سياق حركة استنارة/أنوار متكاملة تدعو للتسامح والقبول وإعادة الاعتبار للأفراد والمجموعات، والتي يجب أن تنعكس من خلال الفنون والآداب وتبادل المنتوجات الثقافية بين كافة الكيانات. وفي نهاية المطاف فإن القيم المطلقة المتمثلة في الأديان تعتبر أن لا تمييز بين البشر على أي أساس كان: ” أيها إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، أن أكرمكم عند الله أتقاكم” صدق الله العظيم.