حزب المؤتمر السوداني
ورقة حول تحالف قوى نداء السودان
جاء توقيع وثيقة نداء السودان في الثالث من ديسمبر 2014 بين كل من قوى الإجماع الوطني، الجبهة الثورية السودانية، و حزب الأمة القومي و مبادرة المجتمع المدني ليتوج جهداً كبيراً و متصلاً قامت به القوى الديمقراطية السودانية بعزم لا يلين من أجل توحيد المعارضة السودانية بشقيها المدني و المسلح في جبهة سياسية عريضة تتمكن من التنسيق و العمل الجماعي لإسقاط نظام الإنقاذ و تحقيق السلام وإرساء لبنات التحول الديمقراطي في السودان بإرادة وطنية جماعية.
تطرح هذه الورقة التي ينشرها المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني الأهداف السياسية و الاعتبارات العملية التي نهض عليها تحالف قوى نداء السودان، و يوضح الطبيعة المفصلية لهذا المشروع السياسي في تحديد مسار الدولة السودانية التي أضحت على شفا جرفٍ هارٍ في مواجهة الانزلاق نحو مزيدٍ من التشظي وزوال ما تبقى من كيانها الموحد. كما تسلط هذه الورقة الضوء على النواقص ومواضع الخلل التي يجب أن تعالجها القيادة السياسية لقوى النداء بأعجل ما يمكن حتى لا يتنكب هذا المشروع الطريق و حتى لا تضيع فرصة – قد تكون الأخيرة – في إنقاذ بلادنا من الانهيار الشامل و استعادتها من يد خاطفيها من عصبة المؤتمر الوطني لتأسيس حكم ديمقراطي و تحقيق سلام دائم و عادل و تنمية مستدامة و متوازنة.
إننا لا نعتقد أنَّ نظام الإنقاذ يجهل حقيقة الواقع المأزوم أو لا يحس بخطورته، ولكنه مع ذلك دائم الاستخفاف بالتبعات والتداعيات بسبب افتقاره للوازع الأخلاقي والمسؤولية الوطنية وطغيان المصالح الذاتية، ولا يبدو معنياً بغير أساليب الهروب للأمام وكسب المزيد من الوقت بالمناورات والمرواغات الثعلبية، متوهماً أن ذلك كفيلٌ باستدامة سلطته ومراهناً على بقاء رجحان موازين القوة لصالحه باستمرار نجاحه في كبح الحراك السياسي السلمي بترسانة القوانين القمعية وفيالق الأجهزه الأمنية، واستخدام الروادع الدينية والزواجر القَدَرية لاضفاء هالة قداسة على سلطته توهم غمار الناس باختزال فشلها في محض ابتلاءات قضت بها الأقدار ولا بديل عن الصَّبر عليها.
ورغم ما يبدو من رجحان موازين القوة لصالح نظام الإنقاذ، إلَّا أنه منذ لحظة ميلاده وحتى اليوم ظلَّ يواجه سؤال فقدان الشرعية وانعدام الرضا وسط غالب أهل السودان ويواجه نزوع قطاعات واسعة منهم نحو مقاومته بمختلف الوسائل وبدرجاتٍ متفاوتة وفقاً للظروف الموضوعية والذاتية .. بل يمكن القول بأنَّ نظام الإنقاذ ظلّ يواجه حالة مقاومة متواصلة سواء بالوسائل العسكرية نتيجة لسياسات الاستعلاء والتهميش وانعدام الرشد في إدارة التنوع وغياب العدالة والتنمية المتوازنة أو عبر الحراك الجماهيري المطلبي والاحتجاجي السلمي نتيجة لمصادرة الحريات والواقع الاقتصادي المتردي .. ومن المهم الإشارة هنا إلى أنَّ أطرافاً من قوى المعارضة المدنية والعسكرية ظلت تُسّهل مهمة النظام في محاصرة النشاط المقاوم بالدخول معه في حوارات ثنائية تُوِّج بعضها باتفاقيات قدَّم فيها النظام تنازلات محدودة في مقاعد السلطة لا تغير طبيعته ونهجه ولا تؤثر على رجحان كفته في موازين القوة.
لقد كان التجلي الأعظم للمقاومة السلمية هو الانتفاضة الجماهيرية التي انفجرت خلال شهر سبتمبر 2013 في أعقاب قرارات رفع الدعم عن المحروقات .. والملاحظ أنَّ معظم المشاركين في تلك الانتفاضة هم من فئة الشباب الذين نشأوا وترعرعوا في عهد نظام الإنقاذ، ويعد خروجهم عليه تعبيرًا عن مأزقه وفشل محاولاته في هندسة المجتمع بما يضمن بقاءه في الحكم .. ورغم أنَّ النظام تمكن من احتواء تلك الانتفاضة الباسلة عبر القبضة الأمنية وتوجيه الرصاص عمداً وترصداً إلى صدور ونحور المتظاهرين العزل وإسقاط المئات منهم بين قتيلٍ وجريح، إلّا أنها زلزلت الأرض تحت أقدامه وزعزت تماسكه الداخلي بانشقاق قيادات مهمة تحت راية الاصلاح، إلى أن اضطر مدفوعاً بالهزة التي أحدثتها تلك الانتفاضة وإسهامها في تفاقم صراعاته الداخلية، إلى إجراء جراحة عميقة في جسده أزاح فيها أبرز رموز الحرس القديم من سدة السلطة التنفيذية والحزبية .. ومنذ ذلك الحين ظلت قيادة النظام، في نسخته الجديدة التي لم تتغير فيها سوى بعض الوجوه، تجتهد في بذل وعود الإصلاح ودعوة أطياف المعارضة المختلفة للحوار .. ورغم الزخم الاعلامي الذي يرافق وعود النظام بالإصلاح ودعواته للحوار، إلَّا أن هذه الوعود والدعوات بدت فاقدة للإرادة الجادة ولا تزيد عن كونها امتداداً لسلسة تكتيكات البقاء التي أدمنها النظام .. فأي وعدٍ بالإصلاح لا معنى له في غياب النقد الذاتي والاعتراف بالخطايا وما أحدثته من أزمات بغية معالجتها، أمَّا دعوات النظام المتكررة للحوار فظلت مجرد كلام في الهواء وزبداً رابياً لا ينفع الناس. لأن الدعوة للحوار لا تتسق مع شن الحملات الحربية على مواطني/ات البلاد و قصفهم بالطائرات، و لا مع تقييد حرية التعبير والضمير بمراقبة الصحف ومصادرتها وسوق المعارضين من منسوبي المنظمات السياسية والمدنية للاعتقال التحفظي و من أشكال تحريم الحراك الجماهيري الحر .. إنه كمن يرفع سيفاً في وجه منافسه، ثم يدعوه بمعسول الكلام إلى حوار هادئ ومفيد!
- نداء السودان – إعتبارات النشأة:
جاء نداء السودان كامتداد طبيعي لسعي المعارضة السودانية الدؤوب للم أشتاتها و توحيد منابرها ، و في هذا السياق و عقب إنقسام البلاد في العام 2011، اتسم المشهد السياسي بتسارع الأحداث على كافة الصُعُد، حيث بدأت الانقسامات تضرب في جسد نظام الانقاذ وأحاطت به الأزمات من كل جانب في واقع السياسة والاقتصاد والمجتمع، و شهد الشارع اشكالآ متعددة من الحراك الجماهيري المطلبي والاحتجاجي في بقاع عديدة من البلاد و بوسائل متعددة و مبدعة أعلت من راية المقاومة, كما انتظمت المعارضة الحزبية في تحالفين رئيسيين هما الجبهة الثورية و قوى الاجماع الوطني. استطاع التحالفان وضع رؤى لعملهما المشترك بالوصول لتوافق في انجاز وثيقتين تشكلان رؤيتيهما لفترة ما بعد الانقاذ، حيث أصدرت الجبهة الثورية وثيقة “إعادة هيكلة الدولة السودانية”، و تواثقت قوى الإجماع على “ميثاق البديل الديمقراطي”. في هذه الأثناء بدأت محاولات جمع التحالفين الرئيسيين للمعارضة تحت مظلة رؤية مشتركة لتتبلور النقاشات و تثمر في 5 يناير 2013 عن توقيع ميثاق الفجر الجديد في العاصمة الأوغندية كمبالا، الميثاق الذي لم يصمد كثيراً بعد إبداء أطراف رئيسية من ضمن قوى الاجماع الوطني تحفظات عليه، و على إثر ذلك اتفقت الأطراف كافة على مراجعة الميثاق بغية الوصول إلى صيغة مشتركة تعبر عن كافة أطياف المعارضة السودانية.
تحركت عجلة البحث عن هذه الصيغة الجديدة ببطء شديد و جاءت الأحداث السياسية المتسارعة لتعيد تشكيل الواقع السياسي في البلاد، حيث انتفض الشارع في سبتمبر 2013 و واجهها النظام بعنف بالغ راح ضحيته ما يقارب المائة و خمسون من الشرفاء و الشريفات العزل إلَّا من هتافٍ يعبر عن توقٍ للحرية والعدالة والعيش الكريم، و تعثرت في ذات الوقت كل جولات مفاوضات السلام في مساريها الاثنين، الدوحة لحرب دارفور، و أديس أبابا لحرب جبال النوبة و النيل الأزرق. صعد النظام من حملته الحربية بأسلحة أشد عنفاً ليضاعف من المأساة الانسانية في مساحة تفوق ثلث مساحة البلاد، و يقتل الآلاف و يشرد الملايين بين معسكرات النزوح و اللجوء في أوضاع إنسانية قاسية، دونما أفق واضح لحل الأزمة السودانية حلآ شاملآ. عوضآ عن ذلك فقد استخدم النظام كرت الحوار الوطني ليكسب وقتاً يمكنه من الوصول للانتخابات و يلعب على موائد المجتمع الدولي و يجني منه تقسيم معسكر المعارضة بإغوائه لرفاق الأمس في المؤتمر الشعبي ليعودوا لحضن النظام أولاً، و من ثم باستقطابه لحزب الأمة لمبادرة حوار الوثبة الشيء الذي دفع بالأخير خارج تحالف قوى الاجماع الوطني عقب تباعد موقفيهما من الحوار، حيث أشهرت قوى الاجماع موقفآ واضحاً أن لا حوار مع النظام إلّا إذا أثبت جديته عبر إجراءات تهيئة المناخ ليكون الحوار حراً ومتكافئاً لا تمييز فيه لأحد، شاملاً كل القضايا وجامعاً كل أطراف التشكيل السياسي والاجتماعي، بغرض تفكيك دولة الحزب لمصلحة دولة الشعب والتوافق حول مشروع وطني جديد يخاصم نهج الاستعلاء والاقصاء والتهميش ويعترف بالتعدد ويضمن تعايش مُكوِّنات المجتمع وإدارة تنوعها من خلال حوكمة راشدة تجعل المواطنة أساساً للحقوق والواجبات وتكفل الحرية وتحقق العدالة والتنمية المتوازنة والسلام المستدام .. مع ضرورة التزام النظام بأن يتم تنفيذ مخرجات الحوار بإرادة جماعية عبر حكومة انتقالية.
لم يكمل النظام لعبته العبثية المسماة بحوار الوثبة إلى آخر الطريق، حيث جاء اعتقال السيد الصادق المهدي في 17 مايو 2014 ليدق أول مسمار في نعش الحوار المزعوم بالإنقضاض على شريك رئيسي في هذا الحوار كان يأمل أن يثمر شيئاً، لتتغير مواقف حزب الأمة على إثر ذلك و يصل لنتيجة مفادها أن حوار الوثبة لن يقود لشيء يذكر، و عليه عقب خروج السيد الصادق المهدي من السجن و مغادرته البلاد ابتدر مراجعات رئيسية في خطه السياسي أثمرت عن توقيع إعلان باريس مع الجبهة الثورية في 8 اغسطس 2014 و هو اختراق كبير في علاقة لطالما اتسمت بالتباعد بين حزب الامة و المجموعات المكونة للجبهة الثورية. بالتوازي كانت لجان قوى الاجماع و الجبهة الثورية المشتركة تواصل عملها للقفز فوق خلافات الفجر الجديد لتكمل مشروعها المشترك عقب توقيع إعلان باريس بأشهر لتوقع في الأول من ديسمبر 2014 على ميثاق العمل المشترك في اديس ابابا. و هنا حصل الالتقاء من جديد بين المكونات الثلاث مضافآ اليها مبادرة المجتمع المدني في تطور واضح لدور المجتمع المدني لتوسيع و تفعيل المشاركة السياسية حيث لعبت دور المبادر و الميسر لهذا التلاقي و صاغت بناء على رغبة الاطراف الاربعة وثيقة نداء السودان و التي جاءت في شكل اتفاق حد أدنى حول قضايا الراهن السياسي ( الحرب ، الازمة المعيشية ، الانتخابات ، الحوار ) و رسمت في فصلها الأخير خارطة طريق إلى الأمام لتطوير هذا الاتفاق السياسي بما يدفع بالعمل المشترك بين مختلف مكونات المعارضة.
- نداء السودان – الضرورة التاريخية:
إن وحدة الصف المعارض وخلق منهج و منبر للعمل المشترك يدعم عملية التنسيق بين قوى المعارضة يعد أمراً ضروريآ لتعديل كفة ميزان القوى لصالح القوى التي تعمل لتحقيق السلام و التحول الديمقراطي، و يساهم في قطع الطريق أمام النظام للتلاعب على اختلافات مناوئيه، حيث ان النظام ظل يقتات على اختلافات المعارضة و تشتت صفها طوال العقدين الماضيين. و لكن السبب الأكثر أهمية في هذا السياق هو الضرورة التاريخية الأكثر إلحاحاً في ظل الواقع الذي تعيشه البلاد حالياً و التدهور المريع لكافة مناحي الحياة، و الذي يرسم سيناريوهات كارثية في ظل التحطيم المستمر لنظام الانقاذ لكيان الدولة السودانية و قيادته للبلاد في طريق الانهيار الشامل بسرعة جنونية.
منذ ان تأسست الدولة السودانية الحديثة بكيانها الجغرافي الحالي عقب خروج المستعمر ظلت تركيبة الدولة تشهد اختلالاً هيكلياً جعل منها دولة منحازة لفئات اجتماعية و مجموعات ثقافية دون أخرى، و ورثت نموذج التنمية المركزي غير المتوازن من الاستعمار، لتمارس تهميشاً واضحاً على غالب أهل السودان، مما أسس لقاعدة مظالم تاريخية جعلت القمع و العنف والحروبات الأهلية و القهر و التهميش وإهدار الحقوق، هي السمات الأبرز للدولة السودانية لتتعاظم وتتوج بعد انقلاب الجبهة الاسلامية في يونيو 1989 الذي أضاف بعداً دينياً و قبلياً للحرب الأهلية مما جعل إستمرار كيان الدولة السودانية في مهب الريح و دفع بالبلاد لتصنف ضمن منظومة الدول الفاشلة و الأكثر تعرضاً لإحتمال الإنهيار الشامل.
تعرف الدولة الفاشلة حسب تعريف روتيربيرج على أنها ” الدولة التي تغرق في النزاعات الداخلية المسلحة و تعجز عن توفير الإحتياجات الرئيسية لمواطنيها و تبدأ حكوماتها في فقدان مشروعيتها بل و تصبح طبيعة تكوين الدولة نفسها موضعاً للتساؤل لدى مواطنيها” .
إن الناظر لهذا التعريف سيصل لنتيجة مفادها بأن الدولة السودانية، تحت حكم الإنقاذ، قد اجتاحتها مشاهد الفشل من كل حدب وصوب من انسداد سياسي واحتقان اجتماعي وأزمة إقتصادية طاحنة وسَّعت مساحات الفقر والبطالة والبؤس العام وجعلت السَّواد الأعظم من السودانيين/ات يكابدون شظف العيش والضوائق الحياتية، تثقل كواهلهم الجبايات والإتاوات ويواجهون صعوبة بالغة في الحصول علي خدمات الصحة والتعليم والرِّعاية الاجتماعية والمياه النظيفة وغيرها من الخدمات الأساسية التي تخلت الدولة عن مسؤولياتها تجاهها فهرب الناس من البلاد في هجرة غير مسبوقة و لو اضطروا لقطع البحار في مراكب غير آمنة ، كل ذلك في إطار حالة عامة من الفساد المؤسسي والمحسوبية وغياب الشفافية والمحاسبة، ويترافق هذا مع صراعٍ مسلحٍ يُهلك الأنفس ويهدر الموارد ويعطل مُمكِنات النهوض والتقدم، ناهيك عن فشل السياسة الخارجية في ظل وجود رئيسٍ يطارده أمر القبض الصادر من محكمة الجنايات الدولية جراء اتهامه بارتكاب جرائم ضد الانسانية .. ليس هذا فحسب بل ان النظام صار شريكاً رئيسياً في إضطرابات المنطقة في ليبيا و تشاد و افريقيا الوسطى و يوغندا و جنوب السودان و اثيوبيا و اريتريا من قبل , و فتح الباب لخلايا الإرهاب لكي تسكن و تترعرع في البلاد و انتقص من سيادتها الوطنية بحيث صارت أكبر مستقبل للجيوش الأممية.
وإذا كان تاريخ نشوء وزوال الدول يشير إلى حتمية انهيار الدولة عندما تجتمع فيها عناصر الفشل وتتفاعل زمناً فيما بينها، فإنَّ لحظة انهيار الدولة في السودان قد اصارت اقرب من أي وقت مضى ، بينما يحاول النظام أن يصادر الوعي العام بحيثيات فشله المفضي للانهيار ويحشر السودانيين بين ثنائية الاستبداد وعدم الاستقرار .. فإمَّا الاستبداد باعتباره ضامناً للاستقرار، وإمَّا التغيير المصحوب بالفوضى، وهو بذلك يروج لجملةً من الأباطيل هي الترويع والتيئيس وشلّ إرادة التغيير لمصادرة المستقبل والتصالح مع واقع الاستبداد بكلِّ ما يقترن به من ظلمٍ وفسادٍ واستنقاعٍ والخضوع لشروطه البئيسة بدعوى عدم التفريط في الاستقرار، في حين أنَّ الاستقرار الحقيقي يعني سيادة الحرية والعدالة وكلِّ شروط الوجود الكريم .. إننا نعتقد أن استمرار نظام المؤتمر الوطني هو العامل الأكثر ترجيحاً لانهيار الدولة في السودان و لإضطراب الاقليم , وأن المدخل الصحيح لحفظ بلادنا من الإنهيار هو إسقاط هذا النظام و إقامة حكم راشد متوافق عليه بين غالب اهل السودان تحت مظلة دولة تمثلهم و تعبر عن مصالحهم.
إن البنيان الهش للدولة السودانية يجعل من مهمة المعارضة السودانية مهمة خطيرة و معقدة للغاية، وكما اسلفنا فإن اقتلاع نظام الانقاذ و تفكيك آلياته الشمولية هو الطريق الوحيد لإعادة بناء الدولة على اسس متينة، و لكن حجر الزاوية في مشروع اعادة البناء هذا هو ايقاف الحرب و معالجة المظالم التاريخية التي ادت الى حمل السلاح في السودان و اعادة هيكلة الدولة السودانية لتكون اكثر عدالة وأشمل تمثيلآ لمكوناتها الاجتماعية. هذه المهمة التاريخية لا يمكن ان يقوم بها حزب بصورة منفردة او ان تضطلع بها كتلة واحدة من كتل المعارضة، بل يجب ان تنهض على قاعدة من الإتفاق السياسي بين القوى السياسية و الاجتماعية الرئيسية في السودان. هذا الاتفاق لا يمكن تأجيله إلى ما بعد اسقاط النظام بل هو واجب عاجل يجب ان ينجز دون تأخير لتقديم بديل يعمل على تغيير النظام ويضمن مستقبل السودان المستقرالذي لايمكن أن يتحقق دونما توافق بين كافة المكونات السياسية و الاجتماعية، بما في ذلك القوى المسلحة ليكون صراع المصالح وتسوية الخلافات بين مكونات المجتمع محكوماً بنهج الديموقراطية والاعتراف بالآخر والقبول به تحت سقف الوطن الوحد وتطوى إلى الأبد صفحة المطالبة بالحقوق عن طريق البندقية .. إن من يرفضون العمل السياسي المشترك مع القوى المسلحة يستبطنون بمشروعهم لإسقاط النظام بان يتبادلوا الادوار مع المؤتمر الوطني ليمسكو ببنادقه عوضاً عنه و يواصلوا مسيرة الحرب و مشروع الهيمنة و الاقصاء الذي مزق البلاد.
من هنا يكتسب مشروع نداء السودان اهميته التاريخية بوصفه الصيغة الجامعة للقوى السياسية المدنية و المسلحة ، فهذا الحلف يجب ان يطور بالصورة التي تضمن ان ينهض على قاعدة رؤية مشتركة لادارة التنوع و الاختلاف في سودان المستقبل، سودان ما بعد الانقاذ التي اقترب اوان زوالها. لا يجب ان تكرر ثورتنا القادمة خطأ انتفاضة ابريل بنهوضها على قوىً معارضة دون اخرى مما دفع الحركة الشعبية في حينها لمواصلة العمل المسلح و وصف الانتفاضة بمايو 2 . الآن بيدنا ان نرسم مستقبلآ مشتركآ لكل السودانيين و السودانيات بحيث يتشارك فيه غالب اهل السودان في دولة تظلهم جميعاً تحت سقفها وتعبر عنهم و تمثلهم.
- نداء السودان – الطريق الى الأمام:
لم يولد نداء السودان و هو خالياً من النواقص، فهو لا يزال مشروعآ في طوره الجنيني و لكن تسارع الأحداث في البلاد و الضرورة العاجلة لإسقاط النظام الشمولي و إيقاف الحرب و جلب السلام و تحقيق التحول الديمقراطي تفرض على القوى المكونة لنداء السودان واجبات عاجلة لا يجب ان تتأخر تحت وطأة التردد و حواجز الثقة و تكتيكات السياسة الصغيرة التي لا تقيم لمعاناة اهل هذه البلاد وزناً و تضع القوى الديمقراطية في موقع المسئولية و المبادرة. لذلك فاننا نرى ضرورة الإسراع بإنجاز المهام العالقة و التي يمكننا إجمالها في خمس قضايا ذات أهمية عاجلة و هي:
- إستنهاض العمل الجماهيري المقاوم للنظام و الإرتباط بالقضايا الأكثر الحاحاً لمواطني/ات البلاد و مواصلة الحملات التي تجعل من العمل القاعدي هو الاساس الذي ينهض عليه عمل قوى نداء السودان.
- الاتفاق على رؤية مشتركة لإدارة المرحلة الانتقالية بعد اسقاط النظام و في هذا الشأن فأن ميثاق العمل المشترك الموقع في الاول من ديسمبر 2014 بين قوى الاجماع الوطني و الجبهة الثورية يعد اساساً جيداً للبناء عليه بمساهمة القوى التي لم تكن طرفاً فيه و فتح نقاش حول نقاط إتفاقها و إختلافها و تطويره والاتفاق على السياسات البديلة في القضايا ذات الأولوية بالشكل الذي يضمن تمثيلها لأكبر قاعدة ممكنة من القوى السياسية و الاجتماعية.
- توسيع قاعدة النداء بضم القوى التي تشترك معه في الرؤية و الاهداف و الموقف من النظام.
- إكمال الآليات التنظيمية اللازمة لإنفاذ الاهداف المتفق عليها بين كافة الاطراف.
- تفعيل ادوات العمل من أجل الانتفاضة الجماهيرية بوصفها الخيار المقدم على ما سواه وفق معطيات الراهن و التمسك بالموقف المشترك من الحل السياسي الشامل الذي لا يكتسب مشروعيته الا بإستيفائه اشتراطات ملزمة للنظام كما أعلنتها قوى الإجماع الوطني من قبل و كما تواثقت عليها قوى نداء السودان في وثيقة “إعلان الموقف من الحوار القومي الدستوري” الموقعة في مارس 2015، بما يفضي لتفكيك الشمولية و للسلام و للتحول الديمقراطي عبر مخاطبة جذور أزمات الوطن ومظاهرها في السياسة والاقتصاد والمجتمع وعبر عملية تضع مسألة العدالة في قلب اجندتها بما يعبر عن مصالح الجماهير و يجعلها شريكة في تحديد مستقبلها و اولوياتها. دون ذلك يجب ان نستمسك بموقف موحد يبطل ادوات النظام في كسب الوقت و تغبيش الوعي و اكتساب مشروعية يفتقدها تماماً.
اننا في المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني إذ نصدر هذه الورقة و نطرحها للرأي العام انما نبتغي ان نفتح حواراً عميقاً حول مستقبل البلاد و نطمع لأن نوسع دائرة الفعل السياسي الطامح للتغيير و الراغب في استرداد بلادنا المخطوفة من براثن الشمولية و المتوثب لاعادة بناء الدولة السودانية على اسس جديدة تكفل لكافة مواطنيها و مواطناتها السلام و الحرية و العدالة الاجتماعية دون إقصاء أو تمييز.
حزب المؤتمر السوداني
المكتب السياسي