(الجنس، الرق والسوق: نشوء البغاء في شمال السودان 1750-1950م) لـ جي سبودلينج وستيفاني بيسويك، من أمتع ما قرأت مؤخراً…. شغل أكاديمي رفيع المستوي وشامل لموضوعات إندرج بعضها في “المسكوت عنه” و”مالا ينقال!” فيما تسللت شذرات شحيحة إلى بعض الكتابات والأوراق، وإشارات أخر إلى الخطاب الروائي هنا وهناك، عن النساء العاملات بالجنس أو الـ(Sex Workers) وهي العبارة الأنسب فيما يلي مفاهيم”بيع قوة العمل” إلخ الكراسات الماركسية!
ومن اللطائف التي حوتها الورقة تناول الـ(إضراب) نعم (إضراب سياسي كمان!) الذي أقدمت عليه “قاطنات أحياء المصابيح الحمراء” بالخرطوم اللائي إحتفلن بإستقلال السودان في 1 يناير 1956 عبر الإعلان عن وتنفيذ إضراب عن العمل لمدة “يومين” رفضن خلالها إستقبال الزبائن البيض!
وفي هذا الجانب أعلق بأن التاريخ المدوَّن قد أشار إلى الإضرابات “النوعية” ونادرة الحدوث كـ(إضراب البوليس) الشهير في 1951 تذمراً على سياسات المستعمر، مورداً [التاريخ] أن الشيوعيون كانوا وراء تنظيمه. فمن يا ترى كان وراء أولئك النساء الباسلات!؟ وإن كنَّ خضنه أصالة عن أنفسهن [دون إيعاز من جهة] أفلا تستحق جذور الوعي النقابي والتضامني وسطهن بمنطق حماية العاملات في هذه المهنة:السوق، البحث الدقيق المتبصِّر!!
وعوداً على بدء، ومن وجهة نظري الخاصة (جداً) فقد أوردت ورقة (الجنس، الرق والسوق: نشوء البغاء في شمال السودان 1750-1950م) ما أعتبره مساهمة نوعية مميزة لهؤلاء النسوة في خضم “الحركة النسوية” إن لم أشتط وأقل بأنهن سبقن فيها رائدات الحركة النسوية “أنفسهن”، وينبغي الإحتفاء والتأريخ لهذه المساهمة الوطنية البارزة، وذلك في الإطار المتصل بالنضالات النسوية في الجانب القانوني؛ حيث أوردت الورقة بأن الفترة المتأخرة من العهد الإستعماري وفرت قدراً نسبياً المساواة والتواصل المفتوح ما بين المستعمَرين والمستعمِرين، في عقابيل إنشاء مشروع الجزيرة حيث أصبح فناء الإنداية مساحة تمكِّن الطرفين من تبادل وجهات النظر تحت رعاية السلطة “الاستعمارية” الرقيقة لشيخة الأنداية، وهكذا مضت الورقة إلى أن (من أوائل المستفيدين من تلك الافكار الجديدة والمتقدمة، والتي تخلقت داخل تلك المواخير، هن البغايا أنفسهن. فما أن عرفن أنه من الممكن للمرأة، نظرياً، أن تتقدم بدعوى ضد الرجل، حتى ولو كان أوروبياً، أمام المحاكم الاستعمارية، حتى شرعن في ممارسة ذلك الحق). وأوردت الورقة حادثة رجل انجليزي قام بسرقة أشياء من أحد المواخير، والذي تمت إدانته بسبب شهادة البغايا ضده، حيث فصل من عمله وتم ترحيله الى بلاده، بينما أُجبر آخر، والذي قام بهجر خليلته الأفريقية التي رافقها لثلاث سنوات، بسبب الحضور المفاجئ لزوجته الانجليزية، على دفع (12) جنيه كتعويض على كل شهر قضاه بصحبتها. وهنا تعلق الورقة، بأن هذه السوابق القانونية المهمة، يجب أن تقرأ بشكل مقابل للحال الاجتماعي السائد حينها، والذي يقول بأن المرأة السودانية “المحترمة” قد كانت من النادر، إن لم يكن من المستحيل، أن تبادر بخطوة مماثلة.
فلنحيي بمساهمة أولئك النسوة “قاطنات أحياء المصابيح الحمراء” في الشأن العام بما يليق بعظمة ونوعية المساهمة التي بذلن، لهن التحية والخلود..
وبداية فلنرد لهن الإعتبار، بتحريرهن من الوصمة اللغوية/الإجتماعية الكامنة في كلمة “دعارة”، “بغايا”، “شراميط”.. إلخ، ولنستخدم لأغراض البحث والمقال والكتابة عبارة (Sex Workers) عاملات الجنس، كبداية واجبة، فهنَّ أهل لكذا تقدير..
وأبداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا..
ملحوظات مهمة:
(1) الصورة المرافقة من موقع ” African Sex Worker Alliance:”aswaalliance.org
(2) ناس (حرام وحلال) الحيجو هنا.. التاريخ الإجتماعي ده موضوع علمي.