لماذا تؤيد الجبهة الثورية وأنصارها سد النهضة؟

نقلاً عن صحيفة الخرطوم

أنصار الجبهة الثورية تحديداً يساندون موقف اثيوبيا؟! شئ عجيب والله. طيب، ولماذا تؤيد الجبهة الثورية وأنصارها سد النهضة؟ ما مصلحة هؤلاء في أمر كهذا؟ يقول القارئ الذي طرح أمامي وجهة نظره بجديه كاملة، ان هناك مؤشرات علمية تثبت ان سد النهضة سيكون مهدداً بالانهيار والسقوط في حال تشييده. وأن انهيار السد معناه أن السودان الشمالي النيلي سيختفي من الوجود غرقاً تحت المياه التي ستغمر الخرطوم ومدن الشمال، وأن الجعليين والشايقية والبديرية الدهمشية وغيرهم من القبائل التي تعمر هذه المناطق ستختفي من الوجود أيضا. ويتساءل القارئ: من المستفيد في هذه الحالة؟ هل هي مصر، ام اثيوبيا، ام السودان؟ لا أحد. المستفيد الوحيد هو الجبهة الثورية التي ستحتل الشمال وتحكمه، بعد (تصفير العداد). إذ ان الجبهة ستتسلمه (على الزيرو)، وقد عاد سيرته الأولي، كما كان قبل ان يهاجر اليه أحفاد العباس وأبولهب ومن لفّ لفهم من العربان!

اجتهدت، ما وسعني الجهد، في محاولة اقناع القارئ الكريم بأن الجبهة الثورية لا تهدف الى إغراق جميع أهل الشمال في النيل كما يتوهم، وإنها فقط تريد اغراق أحبابنا من رجال العصبة المنقذة ونسائها. ولكن على من تلقي مزاميرك يا داؤد!

ما هو أصل هذه الدعوى، ومن أين جاء الحديث عن ان سد النهضة قابل للانهيار، وما يستتبعه ذلك من غرق محتمل للخرطوم ومدن الشمال؟ قصدت أحبابي من مناضلي الكيبورد، باحثاً عن اجابة، فوجدتهم وقد تحلقوا حول حبيبنا هاني رسلان، بعد ان نسبوا اليه الرواية، وأمطروه بأطنان من الشتائم، تكفيه وتكفي جميع اعضاء مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية لعشر سنوات قادمة بحول الله. حدقت في المنابر الاسفيرية باحثاً عن حبيبنا الآخر شوقي بدري، المتخصص والحاصل على عدد من الميداليات الذهبية في شتم هاني رسلان. غير أنني لم أجده بين صفوف المناضلين، فعرفت لفوري انه معتكف بمنزله العامر في استوكهولم لتجهيز خريدة جديدة من خرائده في هجاء مصر وتأديب (الواد هاني)، ولعن سلسفيل جدوده.

أسوأ مظاهر الأزمة الحالية حول نزاعات المياه والسدود، والتي بلغت أفقاً جديداً بعد اعلان اديس ابابا بدء تحويل مجري النيل الأزرق، استعدادا للشروع في تشييد سد النهضة، هو أن الخلاف بين الاطراف المتعددة، في السودان ومصر تحول بالقضية الأساسية وجعل منها مجرد أداة لتصفية مصالح ضيقة. في مصر، استغلت القوى اليسارية والليبرالية الرافضة لحكم الاخوان المسلمين الموقف لزعزعة مركز الرئيس محمد مرسي وإهدار هيبة حكومته. وفي السودان تبدو حكومة العصبة المنقذة حائرة ومرتبكة وفي حالة مراجعة وإعادة تحديث مستمرة لموقفها.

أما عامة المواطنين في السودان فقد حاروا وحار دليلهم أمام شلالات المعلومات التي يبذلها عدد من المختصين والعلماء، والتي تثبت الشئ ونقيضه في ذات الآن. ومن علمائنا واهل الاختصاص عندنا من زعم ان سد النهضة سيكون باذن الله مؤئلاً لليُمن والبركات، وأنه خيرٌ علينا وعلى بلادنا من أى جانب أتيناه. بينما أكد آخرون، أنه كارثة قد حلت فوق رؤوسنا، وأنه سيحرمنا ويحرم أجيالنا القادمة الأمن والأمان (وهكذا تجتمع علينا مصيبتان: سد النهضة والانقاذ)!

أنا شخصياً بدأت تساورني الوساوس والهواجس. وعدت مجدداً للتفكير في احتمالات انهيار سد النهضة، والتأمل في نظرية المؤامرة العجيبة التي أتي بها ذلك القارئ، غفر الله له. ثم أخذت أقلب بين اكوام المعلومات. وهنا وقفت عند حقيقة مدهشة، وهي أن المعلومة عن احتمال انهيار السد لم تكن من تجليات حبيبنا هاني رسلان. أى أنه لم ينحتها من داخل رأسه، بل أنه طرحها مصحوبة بمراجعها ومصادرها، التي أهملها (المناضلون) الأفذاذ، على أساس ان جوهر الموضوعات ومصادرها ومراجعها ليست بذات اهمية، وانما المهم – كالمعتاد – هو اسم الشخص المتكلم!

وتلك في جملتها مراجع ومصادر يعتد بها. وهل هناك من يعتد برأيه وفكره في حقل الرى والسدود اكثر من خبير المياه العالمي، مستشار الامم المتحدة ووزير الري السوداني الأسبق يحي عبد المجيد، الذي قضي عمره كله بين وزارة الرى السودانية ومنظمات المياه الدولية المتخصصة؟ بتاريخ الثالث من ابريل الماضي أجرت صحيفة (الصحافة) حواراً مع المهندس يحي عبد المجيد، حذر فيه الرجل من مخاطر انهيار سد النهضة، وأكد بكلمات واضحة لا غبش فيها أن احتمال انهيار السد وارد. وأضاف في هذا الصدد: (الهضبة الاثيوبية هشة جداً، وبها تحركات بركانية كثيرة). ثم قال:(في ما يتعلق بالطمي فإن تراكمه بالخزان يقلل من عمره، وسوف ينهار السد بتراكم الطمى. المخاوف هى أن الخزان يخزن 67 مليار متر مكعب من المياه، والمياه لها وزن ثقيل، والارض بالمنطقة، كما ذكرنا، بها تحركات بركانية وزلزالية). هذا كلام أهل الذكر. والقرآن يقول (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون)!

وقد شاءت الاقدار ان تتطابق تصريحات مستشار الامم المتحدة ووزير الرى السوداني الأسبق بشأن احتمالات انهيار السد، وغرق المدن السودانية، في نصها وروحها، مع الخلاصات المنشورة التى انتهى اليها الخبير المصري العالمي الدكتور علاء الظواهري، الاستاذ السابق في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا ( (MI، والذي أشرف على تقويمات سرعة المياه وحركتها وكمياتها ومعدلات تدفقها في منطقة السد، بتكليف من الحكومة المصرية.

خلاصة الأمر، يا أهل الشمال: الموت حق والحياة باطل. ومن لم يمت رمياً برصاص جبهة (الفجر الجديد)، مات غرقاً بمياه سد الحبشة المجيد. وقديما غنت مغنية السودان النيلي: “اللول اللول يا لولية / بسحروك يا لولي الحبشية”. وقد قيل، والله ورسوله أعلم، ان عبارة “لولي الحبشية” هنا ترمز الى الجبهة الثورية!

نقلاً عن صحيفة الخرطوم