الاحتفال بأعياد الاستغلال

يبدو انه لم ير “البعاتي” الجد جد..اقصد العالم اللغوي البروفيسور عبد الله الطيب..والذي كان قد وصف الحكومات الوطنية بأنها “بعاتي الانقليز”..مع فقدان البوصلة الوطنية..انحسر الإحساس بالدولة..وتضخم الشعور المحلي الزائف..وهنا يمكن أن نتلقى درسا من الهند العريقة..حيث أشعل الناس الشوارع والشموع لمقتل فتاة واحدة..وهم أمة المليارات بشر..ولكن أثارهم
الفعل والسلوك غير الإنساني..كم سلوك غير إنساني بل شيطاني مر من فوق رؤوسنا..
فلا أحد عاد قادر على الاحتفال بأعياد “الاستغلال”..وهي فعلا كذلك..كيف نفرح بهذا المسخ المسمى “استقلالا” إنه فقط استغلالا لا غير..استغلال غفلة الناس وتقسيم الوطن..استغلال ضعف المواطن وإلقاءه في لج شظف العيش والمهانة..استغلال انقسامات المعارضة..وإضعافها..استغلال النفوذ في الحكومة للسرقة والنهب وعيال خالتي..استغلال الدولة لصالح مجموعات سكانية محددة..اغتيال وتعذيب الشرفاء..استغلال ستات الشاي في دفع رسوم المحليات من عرق جمرهن والكوانين..
كيف نفرح بما يسمى “استغلال”..هكذا بالغين..لو تسمح أيها القارئ الكريم.. كما ننطقها نحن السودانيين..وكما هي مطبقة في الواقع علينا..استغلالنا في محاربة بعضنا..وأولادهم “المعرصين” يتبخترون سياحة في شرم الشيخ..ويدرسون في جامعات شرق آسيا وجنوبها..وفي أوربا..وجامعاتنا الثانوية تقفل أبوابها لعدم وجود هيئة التدريس” جامعة كردفان كلية الطب مثالا الآن هذه اللحظة!!”..أي استغلال هذا!!
استغلالنا بكرت الدين..في المهدية..والآن في تخوم القرن الواحد والعشرين..لن نفرح بأن أحدهم استغلنا..ليس لنا عيد..ونحن لسنا عبيد..لنفرح ونصفق لمن يستغلنا واستغلنا دهرا..يكفي..يكفي..
ويوم أن يكون لكل منا كلمة وشجاعة في اختيار حاكمه ومحاسبته..يوم أن يذهب البنون والبنات للمدارس في أمان ويرجعون في أمن..ويجلسون على طاولات وكراسي..يوم أن تلد بناتنا عيال تسعة تامين بشنباتهم وسنيناتهم..بموجب توفر الحليب والطعام..يوم لا نتزوج في الأربعينات من أعمارنا بل أبكر..يوم لا تمركزنا الخرتوم العجوز في مركزها وتهمشنا..يوم أن لا يحكمنا منافق بالدين..أو منافق بكجور..يوم أن يأمل كل “ود مقنعة” أن يكون رئيسا..وقتها يمكننا الاحتفال “بالإستقلال”.. والإستقلال وقتها سيكون من أنفسنا وأنانيتنا وجشعنا..ليس من الانجليز..أما الآن فإنه مجرد ديكور شفون نرى ما يجري من خلاله بوضوح ونرى البعاتي الكبير وهو يرقص على رؤوسنا جزلا بمخادعتنا..وتلفزيونات السجم تجاوبها إذاعات وصحف الرماد إيغالا في الإستغلال..

أهلنا الغبش عندهم حكمة عجيبة تبرهن أنهم أذكى مما يسمون “بآباء الإستغلال”..تم تركيز حكمتهم في العبارة “فلان دا ضيف حفلة”..ما يعني أنك لو حليت ضيفا في بيت به حفل..فإن مقدار ضيافتك واستقبالك سيقل جدا..بل يكاد الناس لا يشعرون بوجودك..أصلا تم إعلان الإستغلال من داخل البرلمان في 19/12/1955م..ما هو الداعي لنقل الإحتفال الرسمي بالإستغلال ليكون ضيف في حفلة رأس السنة..وكما ترى فعلا كان قرار عشوائي..فالناس تقدر رأس السنة أكتر مما تقدر وتحترم الإستغلال المذبوح هذا..كان اختيارا غبيان ببساطة..ونفس ما يسمون بآباء الإستغلال أبحث عنهم في مذكرة 6/3/1925م بخصوص “تحريم الرق” في السودان..وكيف اعترضوا على السلطات الإنقليزية بالخصوص..يعني عايزين استمرار الرق..”تخيل” يا واعي..تخيل..وكأن ذلك ردا مباشرا على حركة اللواء الأبيض في 1924م..

ديباجة الحديس: كن واعيا وأعمل فرق بين الدولة..والحكومة..والوطن..فالحكومة تحرك دولاب الدولة..أما الوطن فهو أكبر من كليهما بكتييير..